عماد يس يكتب : حقل بليلة.. اتكاءة على الرماد

0

الخرطوم – 2022/03/20- بلادي بلص-

عماد يس يكتب :  حقل بليلة.. اتكاءة على الرماد

شهدت حقول النفط في ولاية غرب كردفان ،سلسلة من الأحداث التخريبية، في توقيت بالغ التعقيد ،من حيث الوضع الاقتصادي العالمي والوطني، وانعكاس الحرب الأوكرانية ،وتأثيرها على أسواق النفط، ومن جهة أخرى تشهد البلاد ضائقة معيشية ،وحالة من السيولة الأمنية والسياسية.
ما حدث بحقل بليلة ،يعيد للأذهان قصة تحدي استخراج البترول، التي ترويها فصول الاستهداف الدولي عبر العقوبات والحصار الاقتصادي؛ وسنوات الحرب الأهلية في جنوب السودان ،حيث تقع حقول النفط ،في كل من هجليج وبليلة ، جزءاً من منطقة العمليات العسكرية، التي كانت تعرف حينها بـ ( غرب النوير)؛ واخيراً ،تعيد حادثة حقل بليلة، هجوم الحركة الشعبية في جنوب السودان، على منطقة هجليج النفطية وتخريبها.

اتبعت الدولة سياسة تأمين شاملة للحقول النفطية ،وذلك بإفراد إدارات ودوائر متخصصة في كل الاجهزة النظامية، تمثل هيئة العمليات رأس الرمح في تلك. وقد نتج عنها ضباط وأفراد وموظفين وعمال متخصصين في عمليات التأمين الشاملة للحقول النفطية؛ حيث استصحبت إستراتيجية التأمين ، إضافة إلى التأمين المادي المبني على المعلومات الاستباقية، والتأمين المجتمعي ، حيث الاستفادة المباشرة لسكان تلك المناطق على المستوى الفردي من التعويضات المادية والعينية ،بدفع مبالغ مالية تجاه كل منشأة نفطية ،نظيراَ للأرض التي تقام عليها . أيضاً شملت الإستراتيجية التأمينية المجتمعية، التعويضات على مستوى المكون القبلي والمكون المجتمعي .
ومن عناصر التأمين المجتمعي ،وإنشاء البنى التحتية التي سهلت على الموطنين التنقل بين احتياجاتهم الحياتية، للأسواق والمناسبات المجتمعية، فكانت طرق التنمية التي وفرت عليهم كثيراً من الوقت والجهد ،في التنقل والإيفاء بمتطلباتهم الحياتية .

اهتمت الإدارات المتعاقبة بشؤون المواطنين ،في إنشاء المستشفيات وآبار المياه ،التي لم تكن تتوفر قبل دخول العملية النفطية ،كما وفرت لهم المدارس والمعلمين ،بل أقامت القرى النموذجية قي الحقول ،حيث تشمل المباني المسلحة للخدمات التعليمية من مدارس ومستشفيات ومساجد ونوادي ، شكلت نقطة ضوء في تلك المناطق النائية؛ وهنا لابد لنا من الإشارة إلى أبرز معالم التنمية المتمثلة في (سد الشخار)، الذي يمثل أول سد من نوعه في تلك المناطق، وبمواصفات إنشائية عالية ،حيث يوفر السد أكثر من خمسين مليون متر مكعب من المياه ،في بحير تمتد لأكثر من سبعة كيلو مترات، كما يوفر السد المياه على إمتداد 40 كيلو متر في بحيرات صناعية، يتم تغذيتها عند الحاجة، كما وفر السد أعمال الصيد في المنطقة وزراعة الجروف لأول مرة، حيث أصبح إنتاج الخضروات مهنة للعديد من المزارعين.

كل هذه المجهودات المجتمعية، إضافة إلى التخصص في التأمين المادي ،من وجود الاجهزة الأمنية جنباً إلى جنب في مهمة واحدة ،هدفها هذا الرافد المهم للاقتصاد السوداني، شكل ملحمة وطنية أثمرت استمرار تدفق النفط في الـ25 عاماً الماضية ،مما أثر ايجاباً على جميع المواطنين السودانيين في مستوى دخلهم المادي.

في الأونة الأخيرة ،وبعد حل هيئة العمليات ،القوات الأساسية المختصة في حماية النفط والمتخصصة في التنبوء بالمخاطر وتحليلها وإتخاذ الإجراءات اللازمة حياليها، مما شكل استقراراً دائماً للعملية النفطية ، هذا التسريح عانت بقية القوات الموجودة في الحقول من فقد هذا الدور الحيوي والمهم، وأصبحت تركيزها على الأحداث الأمنية الأنية المتلاحقة ،والتي لاشك ترهق أعظم القوى، فكانت النتيجة إذ تفاقم الغبن المجتمي تجاه العملية النفطية ،نسبة للشعور المجتمعي بعدم الاستفادة المباشرة بعد توقف عمليات البنية التحتية ،ودعمها وتوقف الدعم المباشر،  كل هذه التراكمات قادت إلى تنفجر هذه الأحداث الماساوية لأهم مورد اقتصادي في البلاد.

الأحداث العالمية الجارية ،أدت إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، الأمر الذي كان من المفترض أن يغطي التدهور في الإنتاج النفطي، وبحساب بسيط وعند انفصال الجنوب ،أصبح الإنتاج اليومي للنفط في معدل الـ 120 ألف برميل في اليوم ،وإذا كان حساب البرميل 50 دولار في اليوم ،في ذلك الوقت فهذا يعني أن العائد ستة ملايين دولار في اليوم ،وحيث أن الإنتاج اليومي نقص إلى 60 ألف برميل في اليوم، وساهمت الأوضاع العالمية بارتفاع سعر البرميل إلى أكثر من 110 دولار للبرميل، نجد أن هذا الارتفاع سيؤدي إلى تعادل العائد من 120 ألف برميل ويصبح العائد هو ذاته 6 ملايين دولار في اليوم ،الأمر الذي سيؤدي إلى تحسن الاقتصاد بمثل ما كان في العام 2011.

إن الاستهداف الحالي لآبار النفط يعد إمتداد للعراقيل التي وضعت في أول الأمر ،حتى لا يستفيد السودان من مقدراته النفطية، وحتى لا يستقل بقراره ،مستخدمين في ذلك ذات الأدوات من اضعاف المؤسسات الأمنية واستهدافها ،واثارة الغبن الاجتماعي لتعطيل عجلة الإنتاج ومزيد من الإفقار وإرهاق خزينة الدولة.

You might also like
Leave a comment