اللواء الأبيض.. مدنية وعسكرية

0

الخرطوم – 2021/12/30- بلادي بلص

عماد يس يكتب……

 الجيش الوطني لأي دولة يمثل عامل القوة الأساسي الذي ترتكز عليه بقية العوامل.. لذا نجد أن اهتمام جميع الدول بمافيها الدول الديمقراطية  بالصرف على القطاع العسكري والأمني  .. وفي بعض الأحيان نجد اهتمام الدولة بالصرف لمقابلة المخاطر والتهديدات  المتوقعة يفوق جميع  قطاعات الصرف الأخرى بالموازنة العامة للدولة. 
ترتكز قوة الجيوش على عدد من العوامل منها العوامل المادية والتي تتمثل في العنصر البشري في إعداده وتدريبه وتسليحه  كما تشمل موقع الدولة من الصناعات الدفاعية  ومستوى التسليح  والعوامل المعنوية المتمثلة في العقيدة القتالية وتماسك القوات وتأهيل القيادة والدعم الشعبي والاجتماعي الذي ينبع من رضاء المواطن على الحكومة والعدالة داخل الدولة ونيله لكافة حقوقه الأساسية .
ظلت القوات المسلحة السودانية وعلى مر العهود تتمتع بالقوة الكافية التي مكنتها من الحفاظ على الدولة وعدم تشظيها وذلك باتباعها منهجية محايدة في كل المواقف التي مرت بالبلاد  وفيما يلي نقدم سرد تاريخي مقتضب لما قامت به القوات المسلحة منذ تأسيسها والذي اكسبها الدعم الشعبي والجماهيري بالرغم من تغير أنظمة الحكم واتجاهاته.
في ثورة طلاب المدرسة الحربية في العام 1924  لم يكن الجيش السوداني بعيداً عن أمال الشعب السوداني في الحرية  والحكم الرشيد،  حيث خرجت التظاهرات في يوليو كأخر نشاط سياسي لجمعية اللواء الأبيض، حيث تم اخمادها واعتقال أخر أعضاء اللجنة التنفيذية عبيد حاج الأمين ؛ ويمكن قراءة  ثورة اللواء الأبيض من حيث تكوينها المدني  والعسكري واسقاط هذا التكوين على نسخة ثورة ديسمبر وحتمية الانسجام العسكري المدني في تحقيق الاستقرار السياسي والتوافق على مشروع وطني بلا حواجز نفسية تعزز من سياسة الإقصاء .
استمر الجيش السوداني تحت إمرة المستعمر إلى استقلال السودان في العام 56  وتسنم المدنيين سدة الحكم بالبلاد  واكتفى الجيش السوداني بمهامه المتمثلة في الحفاظ على الأمن والسلم في البلاد،  إلى أن جاء العام 1958 ولا اختلاف أطراف الحكم المدني واشتداد الخلاف بين شركاء الحكم ( الإئتلاف المدني) مما أدى إلى ادخال الجيش واستلام سدة الحكم  وإعادة الاستقرار الدولة السودانية .
 في العام 1964 هبت ثورة اكتوبر ضد الحكم العسكري وامتلات الشوارع بالمتظاهرين، فما كان من القوات النظامية إلا أن تنحاز إلى الشعب في مواجهة قادتها وقامت بتسليم الحكم إلى حكومة مدنية لكن استمر الخلاف داخل القوى السياسية عجّل بوصول حركة مايو 1967 بمولود شرعي للقوى المدنية وتحديدا اليسار والشاهد في ذلك أن رئيس القضاء في الديمقراطية الثانية في مجلس قيادة مايو العسكرية مثيراً للدهشة  ؛ وتكرر المشهد  في العام 1985 بانحياز  القوات المسلحة  إلى الشارع بعد ثورة  أبريل، حيث سلم الحكومة إلى حكومة مدنية خلال عام في سابقة تاريخية تحدث عنها كل المراقبين حول العالم .
ربما تكون حقبة الإنقاذ الأطول في تاريخ دوران السياسة والجيش ومحاولة فرض مشروع سياسي ( يونيو 1989_ أبريل 2019)  لكن ثورة  ديسمبر وعبر دور  القوات المسلحة وانحيازها  الكامل للشعب وتسليم قادة الحراك الحكومة من خلال الوثيقة الدستورية التي شهد عليها عدد من الفاعلين الدوليين.
من السرد السابق يتضح وبجلاء عدم تبني القوات المسلحة كمؤسسة وطنية لأي برنامج حكم للبلاد، حيث تكرر تسليمها للمدنيين للحكم وانحيازها للشعب في كل أحداث الثورات السابقة والحراك الأخير .
الأحداث السابقة تعضد مقولة( كاثرين شولي)   في دراسته للثورات(كيف تستجيب الجيوش للثورات ولماذا؟) حيث أكد أن لاثورة شعبية ناجحة دون انحياز الجيش والقوات النظامية لها  وهنا نتساءل ماذا لو لم تنحاز القوات المسلحة للحراك الأخير  والاجابة قطعا وفق كل الدراسات التي تمت للثورات الشعبية  ما بعد الحرب العالمية الثانية في كل دول العالم الإجابة هي فشل الثورة الشعبية  واستمرار نظام الحكم . ولكن السؤال الأهم ماذا لو انقسمت القوات المسلحة تجاه ما يجري من حراك في الساحة السودانية  منذ ديسمبر 2018؟

You might also like
Leave a comment