مرام البشير تكتب: بوادر الحرب الإقليمية وخيارات السودان

0

بورتسودان _ بلادي

 

إن المتابع لتطورات الأحداث الدولية والإقليمية المتسارعة خاصة في منطقة القرن الأفريقي يمكنه أن يرى بوضوح المؤشرات المختلفة على كافة الأصعدة التي قد تنذر بنشوء حرب إقليمية من حروب الجيل الرابع المتعددة الأشكال لا سيما مع تغير مفهوم الحرب التقليدية بنهاية الحرب الباردة ودخول التكنولوجيا الرقمية الحديثة، حيث أن الصراعات الحديثة لم تعد تقتصر على المواجهة العسكرية التقليدية بل تشمل أيضاً الحروب بالوكالة، الإرهاب والعمليات العسكرية التي تستخدم تقنيات مثل الطائرات بدون طيار “المسيرات” والذكاء الإصطناعي.

 

تعد الحرب في السودان من أشهر حروب الوكالة الحديثة حيث يقاتل المتمردون في مليشيا الدعم السريع نيابة عن وكلاءهم في المنطقة والإقليم بعد تلقيهم الضوء الأخضر من قوى دولية غربية لها مصالح شتي في إذكاء الصراعات في السودان ، بالإضافة إلى إستخدامها الأسلحة الحديثة خاصة الطائرات بدون طيار ، على سبيل المثال وليس الحصر فإن آخر هجوم شنته المليشيا على مدينة الفاشر بتاريخ ٨ سبتمبر الجاري من بين مايقارب “١٣١” هجوم على المدينة ، تمكنت الدفاعات الأرضية من إسقاط نحو “٣٠” طائرة مسيرة وهو أكبر هجوم بالمسيرات على مدينة الفاشر منذ بداية الحرب.

 

ولكن دعونا هنا نلقي مزيد من الضوء على الصراعات المرتقبة في القرن الأفريقي وربما في الشرق الأوسط وذلك من خلال التطورات والأحداث الأخيرة والتي تمضي بوتيرة متزايدة يوم بعد يوم نحو سيناريو إندلاع عدد من الصراعات الحديثة أبرزها الصراع المصري الإثيوبي والذي يعتبر من الصراعات القديمة المتجددة في المنطقة لكنه إرتبط دوما بأهم قضيتين في منظومة الأمن القومي المصري وهما أمن المياه، وحماية الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس بجانب قضايا أخرى قديمة لا يسعنا ذكرها.

 

في مارس ٢٠٢٣م سعت إثيوبيا للتمدد شرقاً نحو ميناء بربرة على البحر الأحمر لكى تجد منفذ بحري يربطها بالعالم وعقدت صفقة مع إقليم أرض الصومال الإنفصالي “غير المعترف به دوليا” تمنحها حق الوصول إلى ميناء بربرة واستعماله تجارياً وعسكرياً مقابل حصة في شركة الخطوط الجوية الإثيوبية والأهم من ذلك إعتراف سياسي باستقلال أرض الصومال وهو ماشكل خطراً على وحدة جمهورية الصومال فسارع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لعقد اتفاقات أمنية مشتركة مع العدو الإستراتيجي لإثيوبيا لمنعها من إكمال صفقتها .

 

وفي أول تطبيق فوري لإتفاقية التعاون الأمني بين مصر والصومال وصلت في أواخر أغسطس الماضي طائرتان مصريتان محملتان بالمساعدات العسكرية من الأسلحة ،الذخائر وأفراد من المهام الخاصة الي الصومال ،كما أن الإتفاقية تسمح بنشر ما يصل إلى ٥ آلاف جندي مصري على الأراضي الصومالية ومثلهم علی أرض الصومال فضلاً عن توفير المشورة العسكرية المصرية والأسلحة للصومال، وهناك عدد من الخبراء المصريين يعزون تواجد القوات المصرية في الصومال ضمن مهام بعثة حفظ السلام الجديدة AUSSOM، والتي سيقودها الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وعدة دول في الصومال بعد إنتهاء بعثة ATMIS في نهاية عام ٢٠٢٤م ،

وبالرغم من ذلك فإن تواجد القوات المصرية قد يفهم في إطار منع أو تهديد إثيوبيا من التوغل شرقاً نحو ميناء بربرة وعدم إكمال صفقتها مع أرض الصومال.

 

من جانب آخر فأن هناك أيضاً مؤشرات سياسية وعسكرية تؤكد إستعداد القاهرة لخوض غمار هذا الصراع حيث تحاول الفكاك منذ مدة من الإعتماد على السلاح الأمريكي تدريجياً ،خاصة بعد رفض الولايات المتحدة بيع أحدث طائرات F-15 للقاهرة في حين أنها وافقت على بيعها لإسرائيل لذلك لجأت مؤخرا القوات الجوية المصرية لطلب طائرات مقاتلة من الجيل الرابع من الصين بدلاً من تحديث طائرات F-16 الامريكية القديمة والتي بدأت في التقاعد، هذا التطور يأتي في الوقت الذي تواصل فيه القاهرة تعزيز العلاقات الإقتصادية مع بكين بعد إنضمامها إلى كتلة بريكس في وقت سابق من هذا العام ، كذلك تسعی القاهرة لتوطيد علاقتها السياسية مع غريمها التركي والذي تربطه علاقات قوية مع إثيوبيا فهو الذي ساعد آبي أحمد في حربه الأخيرة ضد إقليم التغراي ومد الجيش الإثيوبي بمسيرات حسمت الحرب لصالح الحكومة الإثيوبية ، مما يعني أن القاهرة تحاول تحييد تركيا في هذا الصراع المرتقب.

 

وبالطبع لا يوجد صراع في المنطقة أو الاقليم إلا ونجد أيادي خفية ممتدة من دويلة الإمارات لتزكي هذا الصراع لصالح نفوذها الاستراتيجي في الإقليم لاسيما وأن ميناء بربرة حالياً يُدار من قبل شركة موانئ دبي العالمية وفق عقد طويل الأجل لتطوير وإدارة الميناء في ٢٠١٦م ، حيث تدعم الإمارات تواجد إثيوبيا في الميناء لمزيد من تعاونهما الإقتصادي عبر تطوير الموانئ والمرافق اللوجستية، وكجزء من إستراتيجيتها العسكرية في تواجد أحد أهم حلفاءها “إثيوبيا” بصفة عسكرية في الميناء.

كل تلك المؤشرات المتسارعة قد تنذر بصراع جديد له أشكال وأدوات متعددة ولكن ماهي خيارات السودان للتعامل مع هذا الصراع ؟ هذا ماسنحاول الإجابة عليه في المقال القادم باذن الله .

 

 

You might also like
Leave a comment