مرام البشير تكتب : المحادثات المعطلة

0

بورتسودان _ بلادي

 

تابعت بشكل لصيق خلال الأيام السابقة كل ما رشح من أخبار وتحليلات خرجت من هنا وهناك منذ بداية إنطلاق محادثات سويسرا في ١٤ أغسطس الجاري ، وانتظرت لليوم الثالث على التوالي لكي أتحقق من عدة مصادر صحفية حول مايدور في أروقة هذه المحادثات ، وبالرغم من الغموض الذي ضُرب حولها لإعطاءها مزيد من الزخم الإعلامي إلا أنني توصلت إلي أنه لا توجد محادثات جارية الآن في سويسرا.

أن كل ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها خلال الأيام الماضية هو حالة من الإنتظار والترقب لوفد الحكومة السودانية من جهة وممارسة مزيد من الضغوط السياسية تارة بالترهيب وأخرى بالترغيب من جهة اخری وكل ذلك لدفعه للإلتحاق بركب المحادثات لتتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من إعلان البداية الفعلية للمحادثات لأنها لم تبدأ بعد بحسب تقديري ، وأعتقد أن تحديد فترة عشرة أيام كسقف أولى قابلة للزيادة جاءت لذات الهدف وهو إعطاء وفد الحكومة مزيد من الوقت ، إذن يمكننا القول أن غياب الطرف الحكومي ممثل الشرعية السودانية في أى محادثات تشمل إيقاف الحرب و إيصال المساعدات الإنسانية أدي إلى تعطل هذه المحادثات قبل أن تبدأ .

هنا يتبادر إلى الأذهان سؤال جوهري لماذا إذن جاءت الحاجة لهذه المحادثات التى لم تبدأ إلى الآن في هذا التوقيت بالذات ؟

في إعتقادي هناك إجابتان للرد على هذا التساؤل أولهما تغيير موازين القوى العسكرية على أرض المعركة بمعني آخر أن هناك طرف عسكري شرعي “القوات المسلحة السودانية” أصبح على مقربة من تحقيق إنتصار كاسح على المليشيا لاسيما وأن معارك النفس الطويل التي تتقنها الجيوش النظامية كانت السبب في هذا الانتصار ، وهو عنصر تفتقده المليشيا المتمردة التي كانت تحقق نصر خاطف وتكتيكي سرعان ما يتحول إلى هزيمة إستراتيجية ،

كما أن تقدم القوات المسلحة السودانية على كافة الأصعدة في ظل تقهقر تام للمليشيا على ذات الأصعدة يجعل الدول التي راهنت على انتصارها يسارعون للحيلولة من هذه الهزيمة المرتقبة ؛ لذلك جاءت الحاجة إلي فتح قنوات الإتصال أولاً غير المباشر بإرسال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لتقديم عرض السلام على الطريقة الأمريكية ، ثم تلتها الإتصالات المباشرة مع القيادة السودانية واخيراً هذه المحادثات.

الإجابة الثانية على السؤال الجوهري هي

حالة الإصرار والتشبث الأمريكي بخيار السلام التي تجتاح المنطقة بأكملها وليست مفاوضات الدوحة المتعلقة بوقف الحرب وتسليم الرهائن في قطاع غزة ببعيدة عن هذه الحالة .

أن هذا الإصرار الأمريكي الذي برز فجأة لم يكن بسبب تعاطف الولايات المتحدة الأمريكية مع مايحدث للشعب السوداني أو الفلسطيني ؛ لأن ترك هذه الشعوب طوال الفترة السابقة تواجه مصيرها لوحدها أمام غزارة من الإنتهاكات والمجازر التي طالتهم من مليشيات الدعم السريع في السودان وإسرائيل في قطاع غزة كافية بأن تنسف أى أحاديث تنادي بعكس ذلك.

لذلك من المرجح أن هذا التوقيت لهذه الدعوات للسلام جاء نتيجة لتفاقم التوتر والقلق الإقليمي إزاء التحليلات التي تؤكد بأن المنطقة على حافة حرب إقليمية قادمة بين إيران وحلفاءها من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، فما كان لدول الإقليم المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية الإ أن تحشد كافة جهودها السياسة والدبلوماسية لتقوم بالضغط علی جميع الأطراف في هذه الصراعات للجلوس على طاولات التفاوض كمحاولة لتهدئة حدة هذه التوترات التي قد تتحول الي حرب إقليمية لا يمكن السيطرة عليها .

لكن بكل أسف فأن جهود السلام التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة تواجهها عواقب كثيرة أبرزها تجاهلها الكامل لمطالب هذه الشعوب التي يتم التنكيل بشعوبها وبمكتسباتها يوماً بعد يوم مما يجعل هذه الشعوب تفـضل خيار الدفاع عن كرامتها وأرضها علی أن تحظي بسلام مزيف يعيد الغلبة لعدوها من جديد.

You might also like
Leave a comment