مرام البشير تكتب : نموذج فارك لإحلال السلام

0

بورتسودان _ بلادي

 

في العشرين من نوفمبر من العام ٢٠١٢م أعلنت حركة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) وقف إطلاق النار الأحادي في صراعها الطويل مع الجيش الكولمبي وأبدت استعدادها لنزع السلاح وإعادة دمج مقاتليها في المجتمع المدني كما اعترفت (فارك) بمعاناة الضحايا وأبدت إلتزامها بالتعويض والمصالحة. هذه الخطوات كانت عبارة عن خطوات إبداء حسن نية لبدء المفاوضات بين (فارك) والحكومة الكولومبية والتي جرت في هافانا،كوبا ،واستمرت حتى توقيع إتفاقية السلام النهائية في عام ٢٠١٦م ، حيث تضمنت اتفاقية السلام على نزع سلاح المتمردين وإعادة دمجهم في المجتمع مع تحقيق العدالة للضحايا.

الآن دعونا من (فارك) وكولومبيا ولننظر إلى مشهدنا السياسي السوداني وما يطرح من مطالبات تنادي القوات المسلحة بالذهاب الى مفاوضات جنيف والجلوس في تفاوض مع مليشيا الدعم السريع وما يقابلها من رأي عام وطني منحاز لإستمرار الحرب حتي استسلام المتمردين.

هذا الرأي العام المضاد للمفاوضات بأي حال من الأحوال لا يمكننا أن نفترض أنه لا يدعم جيشه في الجلوس مع المليشيا ويرفض السلام جملة وتفصيلا ، وهذه بالتأكيد تحليلات خاطئة ومجحفة في حق هذا الشعب العظيم الذي يقود هذا الرأي العام ،

إن ما يصبوا له شعبنا في نظري يكمن رهانه الحقيقي على إرادة المليشيا السياسية في وضع حد لهذه الحرب اللعينة ؛ والمضي قدما في نموذج (فارك) لإحلال السلام كما أسلفنا في بداية المقال ،فشعبنا مازال يتسأل يوما بعد يوم ، هل تملك مليشيا الدعم السريع إرادة سياسية وعسكرية حقيقية لوقف الحرب؟ واذا كانت تملك هذه الإرادة هل تريد فعلا إحلال السلام بدلا عن الحرب ؟؟ هل تريد التصالح مع الشعب السوداني الذي انتهكت حرماته ؟؟ هل لديها القدرة لتحمل كلفة السلام لأنها ستكون أعلى بكثير من كلفة الحرب ؟؟ هل نفذت بنود إعلان جدة؟؟

اذا كانت الإجابة على كل هذه الأسئلة هي “نعم” أذن ، أين هى خطوات حسن النوايا التي يجب أن تقدمها المليشيا بإعتبارها أول من سارع بالموافقة على المقترح الأمريكي لمفاوضات جنيف مباشرة أو بعد لحظات من إعلانه ، لماذا لا تعلن المليشيا للرأي العام خطوات حسن النوايا التي تجعلها مؤهلة للجلوس مرة أخرى للتفاوض؟ لماذا لا تعلن للرأي العام أنها تعمل جاهدة لتنفيذ بنود إعلان جدة ؟ لماذا لا توقف إعلامها المتطاول على المواطن السوداني والذي ينشر تهديداته المستمرة للمدن والولايات الآمنة ؟ لماذا كل هذا الصمت من قيادتها اذا كانت حقا تريد السلام؟

في نظري إذا أرادت المليشيا إحلال السلام عليها أن تدرك أن الكرة بملعبها وليست بملعب القوات المسلحة ، عليها أن تبادر كما بادرت (فارك ) بخطوات إبداء حسن النوايا والتي كانت سببا في إنهاء واحدة من أطول النزاعات المسلحة في العالم ، ولكى نكون أكثر إنصافا فإن الشعب السوداني الرافض للتفاوض يريد من المليشيا بكل بساطة أن تنفذ نموذج (فارك) في إبداء حسن النوايا لكي يصدق حقيقة أنها تريد السلام وتسعي جاهدة له.

وذلك عبر وقف الهجوم والتمدد والتوغل في القري والحلال الآمنة فورا ، مع سحب القوات المتمردة أو إعادة انتشارها بعيداً عن خطوط التماس لتقليل إحتمالات التصادم أو تجميعها بالقرب من المناطق العسكرية التي ذكرها مساعد القائد العام للقوات المسلحة الفريق ياسر العطا ،بالاضافة الى نشر خطاب إعلامي متوازن يواكب مرحلة السلام التي تنادي بها المليشيا والإبتعاد عن خطاب العنصرية والكراهية الذي يتصدر صفحات قادتها الميدانيين وذبابهم الإلكتروني ، وكذلك إطلاق سراح الأسرى النظاميين والإفراج عن السجناء كإشارة على الرغبة الحقيقة في حل النزاع سلمياً مع فتح ممرات إنسانية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة.

هذا غيث من فيض من خطوات إبداء حسن النوايا التي تعبر عن رغبة صادقة في الجلوس لطاولة المفاوضات من جانب المليشيا ، لذلك على المليشيا إذا أرادت أن تجلس لطاولة التفاوض أن تعلى إرادة السلام في داخلها وبين افرادها وقاداتها قبل أن تطرحه كبديل للحرب في السودان وهو ما من شأنه أن يغير موازين المشهد العسكري والسياسي لصالح سلام بين القوات المسلحة والمتمردين ينهي معاناة الشعب السوداني ويوقف نزيف الدماء ويطوى صفحة الحرب للأبد.

You might also like
Leave a comment