مرام البشير تكتب : تصاعد النفوذ السياسي للصين في الشرق الأوسط وأفريقيا وعلاقته بإنهاء الحرب في السودان

0

بورتسودان _ بلادي

 

على عكس الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا فأن بكين كانت ومازالت تشتري الولاء والدعم السياسي لها في كل العالم خاصة في أفريقيا والشرق الأوسط من خلال التعاون الإقتصادي والتبادل التجاري والإستثمارات الضخمة ومشاريع البنية التحتية ، مثلت هذه العلاقات الإقتصادية أساس التعاون بين الصين وأفريقيا حيث كانت أفريقيا تلعب دورا مهما في سد فجوة بكين من المعادن والمواد الخام منذ الحرب العالمية الثانية ، ففي سبعينيات القرن الماضي مولت الصين مشروع سكة الحديد الذب يبلغ طولها ١٨٦٠ كيلومترا بين ميناء دار السلام في تنزانيا ومدينة كابيري مبوشي في زامبيا والتي تمر عبر أهم مناجم النحاس في أفريقيا ، بالإضافة لمبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ ومشروع الحزام والطريق في العام ٢٠١٣م الذي يعرف باسم طريق الحرير الجديد ويمر عبر سواحل شرق أفريقيا إلي المحيط الهندي ، وفي جيبوتي على القرن الأفريقي أقامت الصين عام ٢٠١٦م أولى قواعدها العسكرية فيما وراء البحار ، بجانب أن بكين تعقد كل ثلاث سنوات قمة صينية أفريقية معروفة بإسم منتدى التعاون الصيني الأفريقي، والذي كان مؤخرا عام ٢٠٢١م في السنغال.
أما في الشرق الأوسط فقد كان حضور الصين
طاغيا في كل المستويات ، حيث أصبح الصين والشرق الأوسط شريكان يتبادلان المنفعة ويحققان الكسب المشترك لا سيما وأن الصين تعتبر أكبر شريك تجاري للشرق الأوسط حيث تصدر بشكل أساسي المنتجات الكهروميكانيكية والمنسوجات والأجهزة المنزلية والألعاب وغيرها لشعوب الشرق الأوسط بالمقابل، يمثل الشرق الأوسط أهم مورد طاقة للصين حيث ظل يصدر للصين ما يشكل نصف وارداتها من النفط الخام والغاز، وهو ما يفسر ضخ الصين لاستثمارات هائلة في مجالات الطاقة التقليدية والمتجددة بدول الشرق الأوسط خاصة في مجال الهيدروجين الأخضر وغيره. وفي السنوات الأخيرة شهدت عملية تسهيل التجارة والاستثمار بين الجانبين تطورا سريعا خاصة بعد إكمال أول دفع عابر للحدود بالعملة الصينية بين مدينة ييوو والسعودية عشية القمة الصينية العربية الأولى في ديسمبر ٢٠٢٣م.
إن قواعد النفوذ الإقتصادي للصين آنفة الذكر مع أفريقيا والشرق الأوسط جعل بكين تغير في سياستها الخارجية تدريجيا نحو لعب دور سياسي فاعل في المنطقة وكان ذلك بدءًا من المؤتمر الوطني الـ ٢٠ للحزب الشيوعي الصيني، حيث بدأت الدبلوماسية الصينية تتفاعل بإيجابية مع عدد من القضايا، خاصة تلك التي كانت تعد حكرًا على الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط. بدأت الصين بلعب هذا الدور السياسي بقوة عندما رعت مبادرة لرأب الصدع بين السعودية وإيران التي استمرت القطيعة بينهما منذ العام ٢٠١٦م ، وبفضل بكين عادت العلاقات السعودية الإيرانية الي سابق عهدها بعد إتفاق تم توقيعه بين البلدين في مارس ٢٠٢٤م تحت رعاية من الرئيس الصيني شي جين بينغ كضامن أساسي للإتفاق .
وهاهي اليوم تشرع مجددا في تسوية أكبر الصراعات السياسية في المنطقة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة ، حيث أنهي ١٤ فصيلا فلسطينيا مشاورات ولقاءات وصفت بالحوار الوطني وانتهت بإصدار “إعلان بكين لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية” في ٢٣ يونيو ٢٠٢٤م .
هذه الخطوة جاءت إمتدادا للمواقف الصينية التي ظلت ثابته تجاه القضية الفلسطينية عبر تاريخها، ومؤخرا اتسم الموقف الصيني بالقوة والثبات وبشكل غير مسبوق خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٤م، وبرز الموقف الصيني بقوة ليس على المستوى الرسمي فحسب، وإنما جاء مدفوعًا بموقف شعبي قوي ومؤثر داعم للحق الفلسطيني، ومندد ورافض للجرائم والاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة.
كل هذا التفاعل الإقتصادي والسياسي الصيني المتنامي في الشرق الأوسط وأفريقيا يقودنا إلى أن منطقتنا تشهد تحولات جذرية كبيرة تنعكس في تقاسم الإقليم والمنطقة بين نفوذ الصين وحلفاءها ، في ظل تضاعف للدور الأمريكي والاوروبي حيث تحاول كل من روسيا وتركيا وإيران مجاراة الصين والمضي قدما نحو تعزيز تعاوناتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية مع القارة الأفريقية والشرق الأوسط،
ان التقارب الروسي السوداني الذي حدث مؤخرا والمرتبط بالسياسة التوسعية للقطب الشرقي في أفريقيا يعتبر امتداد لهذا النفوذ الصيني حيث تتبادل الصين وروسيا نفوذهما السياسي في المنطقة ويلعب كل منهما أدوارا سياسية فاعلة في إحتواء الأزمات التي تعصف بالاقليم ،وليس ببعيد أن قضية إنهاء الحرب في السودان كانت ضمن أجندة التقارب الروسي السوداني الذي برز عنه ضغط سياسي كبير لكل الداعمين المحليين والاقليميين لمليشيا الدعم السريع وحثها على الاستسلام لإرادة الشعب السوداني وجيشه والدخول في مرحلة وقف الحرب والاستعداد للسلام التي نشهد تطوراتها على الأرض هذه الأيام.

You might also like
Leave a comment