محي الدين محمد يكتب : إصلاح النظام الحزبي

0

الخرطزم : بلادي

 

إصلاح النظام الحزبي (1)
مدخل:
دلت التجربة الماثلة على أن الأحزاب في السودان ما تزال بعيدة عن الوصول لحقيقة المفهوم الحزبي الذي يوصف بأنه وعاء لتأطير الجهد الشعبي وتمثيل القطاعات المجتمعية المختلفة من حيث الرؤى والطرح الفكري و المنافحة عن أمال الناس وتطلعاتهم.
هذا الواقع الذي يتبدى جلياً في يومنا الراهن يعزز القناعة بضرورة النظر في التجربة الطويلة والتفكر في مآلاتها واستبصار مستقبلها الذي نرجوه أملاً في بعث روح جديدة تعمل على تطوير الأحزاب لتكون عاصماً يحمي بلادنا من تفشي العصبيات القبلية التي ما زادت أمرنا إلا خبالاً.
لذا فإن هذه السلسلة من المقالات حددت هدفا تسعى لبلوغه هو تقديم تصورات قابلة للتطبيق ومقترحات من شأنها إضاءة الطريق لكل سالك يرجو تحقيق التعافي السياسي تحت مظلة نظام حزبي يحمل هموم الناس ويعبر عنها في جو تسوده الشوري وتجلله الديمقراطية.
ولا بد لنا أن ندلف للموضوع عبر مدخل مفاهيمي يوحد المنظور حيث نجد عالم السياسة الشهير “صمويل هنتنجتون” حدد أربعة مرتكزات للحزب السياسي هي :
1. التكيف ،
2. الاستقلال ،
3. التماسك ،
4. التشعب التنظيمي .
ويرى غيره ضرورة أن تتوفر الشروط الآتية في أي حزب سياسي يعمل في مجتمع ديمقراطي:
1. احترام مبادئ حقوق الأنسان.
2 . احترام عامل الشرعية في الانتخابات.
3. الالتزام بالطرق و الوسائل التي تحدد للعملية الانتخابية.
4. احترام الأحزاب الأخرى ومراعاة عوامل التنافس الحر.
5. الالتزام بنبذ التطرف والعنف.
6. حث المواطنين على المشاركة في العمل السياسي.
7. ممارسة الحكم بمسؤولية.
وهي مبادئ هادية يستند عليها أي تقييم موضوعي منصف وشفاف لممارسة الأحزاب للعمل السياسي. ولن نناقشها جميعا لكن سنقصر دور الورقة على تلمس أوجه القصور التي شأبت أداء الأحزاب السوداني فيما يتصل تحديدا بممارستها لعملها وتعاطيها مع كوادرها وإدارتها لشأنها الداخلي وانعكاسات ذلك التعاطي على مجمل العملية السياسية في السودان.

اصلاح النظام الحزبي (2)
من المهم التأكيد على حقيقة كضوء النهار الأبلج هي أن الديمقراطية في الأحزاب لا تعني مجرد الانتظام في عقد الاجتماعات، ولكنها تتضمن القدرة على التعامل مع التعدد الفكري داخل الأحزاب، وعلى تسوية النزاعات الفكرية التي تحدث بطريقة ديمقراطية، دون أن يضطر أحد الأطراف إلى الاستقالة، أو أن تقوم قيادة الحزب بفصله.
والناظر للممارسة الحزبية في السودان يرى بوضوح ما تعانيه الأحزاب من علل في تطبيق الديمقراطية كمفهوم ووسيلة داخل جل المنظومات الحزبية في السودان أن لم نقل كلها.
ويمكن رد ذلك إلى طبيعة نشأة تلك الأحزاب التي خرجت من رحم مؤتمر الخريجين نتيجة لتباين وجهات النظر بين النخب المثقفة. ثم أن بعضها وجدت في الطرق الصوفية محضناً فارتكزت على بيتي المهدية و الختمية .
هذا الواقع القى بظلاله على طبيعة التعاطي السياسي وطريقة إدارة الشأن العام.
ولا عجب أن صارت هذه الأحزاب مسخاً مشوهاً تقوم فيه عاطفة الولاء الطائفي مقام الفكرة والغايات النبيلة وتكون فيه رغبات السيد أوامر مقدسة من يناقضها أو يختلف معها تصبح عاقبة أمره خسراناً يقعده متفرجاً من خارج الحلبة.
أما تلك الأحزاب التي اسست بنيانها على الفكر القومي العروبي أو مبادئ الإشتراكية فلم يكن حالها أفضل من سابقاتها، ذلكأنها احتكرت التفكير في فيئات محددة نصبت نفسها قيما على الحزب وكاني به يقول لا أريكم إلا ما أرى. ولم تسلم من هذه العلة الأحزاب ذات التوجه الإسلامي التي رغم تبنيها للشورى منهجاً الا أنها في كثير من الأحيان ضاقت أخلاق الرجال فيها بكل رأي مخالف فاسلمت نفسها لشيطان الخلاف وتبعت خطواته فأصابها من التشظي نصيب.
وهكذا يتضح للمتأمل في تجربة الأحزاب سواء تلك التي تسمي بالطائفية أو ما يعرف بالأحزاب العقائدية أنها تعاني من ذات العلة رفضاً للرأي الآخر وتعنتا في معادة كل من يروم المجادلة أو يسعي لإعمال مبادئ الشوري والديمقراطية.
وليست هذه بالعلة الوحيدة لكنها أظهر ما في الأحزاب السودانية وكل ما عداها إنما هو من قبيل الهزات الإرتدادية التي تعقب عادة الزلازل المدمرة.
وحسبنا أن نشير إلى ما يستتبع ما نزعم من فقدان أسس الديمقراطية في أحزابنا من ممارسات شائهة مثل الضيق بالحوار واللجوء للعنف في تمظهراته المختلفة إن كان عنفاً لفظياً داخل الحزب الواحد وما يشمله من خصام وتشاكس بين أفراد المنظومة الواحدة، أو عنف بدني تبدو شواهده في التاريخ ماثلة كلجوء الأحزاب لدعم الإنقلابات أو مشاركتها في عمليات عسكرية بهدف تقويض الأنظمة دون إكتراث للثمن الذي يدفعه المواطن الذي بأسمه تريد أن تحكم.
ولا جرم أن ظاهرة العنف التي استشرت واستعر أوارها بين الطلاب إنما هي دون تعسف، نتاج تلك الروح غير المتسامحة التي تبثها الأحزاب بين منسوبيها. فتتبع الظاهرة يكشف أن بعض الأحزاب تسعي لتوظيف طاقات الطلاب في إزكاء روح المقاومة للأنظمة التي تناصبها العداء فتنفس فروع اليافعين أن العنف هو سبيل الخلاص وتكون المحصلة دماء تراق وأرواح تزهق وعداء يستحكم فيسد الأفق أمام قادة المستقبل.
ثم أن أمراً آخر يستدعي الوقوف عنده وعدم إغفاله وهو تكلس القيادات وتشبسها بالمناصب وهو ما يمكن أن نصفه بشخصنة القيادة ، وهي ظاهرة تؤدي لتكريس الفردانية وتَحكم رؤية أحادية كما تخلق محوراً للإستقطاب يعزز من نفوذ بعض القيادات على حساب المؤسسة فتكون المحصلة ضعف في وسائل تطور الديمقراطية داخل هذا الحزب، وتتمدد بالتالي الشللية وتضمحل ركائز العقد الإجتماعي الذي على أساسه إلتف الناس حول الحزب .
والفراغ المحتمل بسبب رحيل الزعيم نتيجة آخرى تنشأ عن ارتباط الأحزاب بأشخاص مايجعل تلك الأحزاب تدخل في أزمة عميقة وصراع حول الخلافة فتتكون التيارات ويسود الانقسام .
وليس بخافٍ أن التكلس وعدم تجديد القيادات يخلق فجوة بين الأجيال ويحرم الحزب منأن يتنفس برئه جديدة وتملأ شرايينه دماء متدفقه فوارة تمنحه دفء الحياة وتعطي لفكرته ديمومة لا تنقصها الحيوية.
وتلك لعمري ثالثة الأثافي والحالقة التي تكاد تذهب برونق الحزبية وتجعل الناس فيها من الزاهدين.
ولعل خوفنا واشفاقنا منبعه قناعة راسخة بأن الأحزاب بحسبانها أوعية للممارسة الديمقراطية يجب أن تدعم وترعى وتخلص منمعيقات الماضي لتنطلق في مضمار التنافس فيكسب الوطن وشعبه تساكنا تَعلُى فيه قيمة المواطنة وتقل فيه مثبطات الهمم من حمية قبلية تكادترتد ببلادنا إلى مهاوي الجاهلية الأولي وتنذر بخطر ماحق يتهدد كياننا الوطني وتجربة الدولةالقطرية.

اصلاح النظام الحزبي (3)
تلك الأدواء التي أعيت الطبيب المداويا تتطلب توفر الإرادة السياسية والرغبة المغلظة على سلوك المسالك الوعرة لتجاوز عثرات الماضي التي بَيٌنا بعضاً منها في معرض تحليل الظواهر التي أحاطت بتجربة الممارسة الحزبية داخل الأحزاب.
وإن كنٌا قد أجملنا القول فإن توصيف العلاج يتطلب بعض التفصيل غير الممل في مقام التعاطي مع كل مشكلة على حدا رغم الإقرار بتشابك القضايا وتناسلها من منبع وأحد.

1. ممارسة الديمقراطية:
تأخذ هذه القضية موقع الصدارة كونها تأطر الفكرة التي بمقتضاها قامت الأحزاب وعبرها تسعى لصبغ الممارسة السياسية، وتلك المزية تجعلنا نقول بضرورة أن تراجع القواعد الأساسية للأحزاب وتعاد هندسة مبادئها وفق عقد اجتماعي يتأسس على الرضى ويقف على ساقين من توافق حر ومشاركة حقيقية.
وينبني على ذلك العقد وأجبات وحقوق بين القواعد والقيادة لا يحيد عنها أحد ثم يكون فيها الانتخاب المباشر إلتزاماً على القيادة أن تبر به دونأن تغفل عنه القواعد.
ومن شأن مثل هذا الأمر أن يعمق روح الانتماء الواعي للحزب وطرحه ويخلق حالة من التفاعل الإيجابي الذي يحقق معنى الحزب والغاية من إنشائه.
ولا يعجلن أحد بالقول أن تلك غاية لا تستطاع في ظل واقع مجتمعنا، فتلك لعمرك فرية العاجز المتكاسل فالكياسة تدل على أهمية المبادرة وحمل الناس إلى مجابهة التحديات وذلك خيار يفضل كثيراً ما نرى من قطيعة بين الأحزاب وقواعدها حتى لكأنها صارت “شهراً ليس للناس فيه نفقة” فزهدوا في أيامها ولم يجدو في عدها من طائل.

2. مأسسة الأحزاب:
هو مفهوم عميق الصلة بما فصلنا من أهمية الديمقراطية ذلك أن مأسسة الحزب لا تكون دون تحقيق قيمة الديمقراطية ومعناها الاسمي. وتستدعى المأسسة وجود هياكل حقيقية تتولي رسم سياسات الحزب وتعمل على تلمس رغبات القواعد وحاجاتها وتضع منها خططها وتقود على أساسها حراكها إن كان من خلال أجهزة الحكم إن كانت حاكمة أو عبر آليات المعارضة السلمية .
ومن شأن المؤسسية الحقة أن تفضي إلي آليات معروفة لاتخاذ القرار حتى لا يكون دولة بين أهل الحظوة أو أرباب النفوذ.
والشاهد أن البناء التنظيمي للأحزاب السودانية يجعل لرئيس الحزب دوراً محورياً في عملية صنع القرار، فالوائح في تلك الأحزاب تعطي الزعيم ورئيس الحزب صلاحيات لا يحدها سقف، ويترافق مع هذا الواقع غموض في النصوص المتعلقة بكيفية صنع القرار واتخاذه.
فمن الخطأ البيٌن تركيز سلطة رسم السياسة العامة للحزب وصناعة القرار في يد فرد أو مجموعة صغيرة مهما كانت قدرات ذلك الفرد أو تلك المجموعة، فتلك من عوارض تضخم الذات وتقزم المؤسسات.
وبلا شك أن احتكار اتخاذ القرار وتضييق أوعية الشوري يقود للتخبط ويفتح الباب و أسعاً لشيطان الخلاف ليفسد مقومات التراضي ويُمٌكِن للشقاق.

3. مراجعة البرامج الحزبية:
البرامج التي نعنيها ليست هي فقط البرامج الانتخابية التي تدعي بها الأحزاب الناخبين لكنها مفهوم أعمق يشمل وضع تصورات عملية قابلة للتطبيق تسهم في معالجة كل القضايا التي تواجه البلاد وفق نظرة فاحصة تستند إلى مقاربات علمية محددة.
وحري بنا أن نشير إلى تخلف معظم برامج هذه الأحزاب وعدم مواكبتها للتحديات التي تمور بها الساحة فهي في الغالب لا تملك رؤية لحل مشكلة دارفور أو معالجة ظواهر القبلية والجهوية التي استشرت في مجتمعنا.
وتكمن أهمية تنقيح ومراجعة البرامج فيما تضفيه من حيوية وما تحققه من كسب وهي تزجي بضاعتها لعامة الناس من غير عضويتها الملتزمة .
والحق أن أمر تعديل وتطوير البرنامج الحزبي شأن عام يجب الا يترك هكذا للجنة صغيرة بل أهميته تستوجب أن يعهد لأهل الفكر من كل المشارب ليعملوا فيه فكرهم ثم من بعد ذلك يطرح على الرأي العام فيقول فيه قوله قبل أن يجاز وفق ما تقتضي نظم الحزب ولوائحة، وحينها فقط ينعقد له الإجماع ويجوز في حقه الإدعاء بالإحاطة والتوافق والشمول.

4. بناء قيادات المستقبل:
إن ظاهرة الشيخوخة التي تعاني منها بعض الأحزاب تجعل من الدعوة لتجديد القيادات مبررات منطقية . والتجديد لا يعني القطيعة مع الماضي بل يستدعي المجايلة وتمرير الخبرات من الرواد للإجيال الشابة.
وبناء قيادات المستقبل يتطلب وعياً من قيادات الأحزاب بضرورة التجديد ورفد مؤسسات الحزب بكوادر متسلحة بالعلم مدركة لحقائق الواقع الماثل ساعية للنهوض بالفكرة وشحنها بالطاقة الأزمة لبلوغ المستقبل.
وهنا علينا أن نستلهم من تجارب الأمم الأخرى التي رسخت فيها للديمقراطية قدم ما يعيننا في مسعانا القاصد نحو ترسيخ مفهوم الديمقراطية في قيادات المستقبل، من خلال تطوير مؤسسات حزبية تعني بالتدريب ورفع القدرات وتجعل من التجريب والإختبار منصة إنطلاق تٌصَعدٌ عبرها الكوادر وتٌرقى في مدارج الحزب وهياكله.
وغاية هذ الأمر الا يرتقي مراقي القيادة من تقعد به همته ويحرس مسيره النسب أو تسند خطوه القبيلة.

5. نبذ العنف:
إن العنف عاقبته وخيمة ويجدر بمن يروم للبلاد خيراً أن يعقد العزم على مفارقته وأن يوطن نفسة على سلوك سبل السلام وإن طالت النٌجعة أوتعثر المسير.
فالعنف الذي جربت جل أحزابنا طعمة ومارسته على غيرها جر عليها وعلى البلاد شرا مستطيراً، وافقدها تعاطف قواعدها قبل خصومها، ومن الأجدى أن تنص على نبذه في نظامها الأساسي وأن تتمسك بالقول والفعل بتلك النصوص ولا تلقي بها من ورائها ظهري في أول منعطف. ويستتبع هذا توافق مكتوب على التداول السلمي للسلطة عبر وسائل ديمقراطية يعود فيها للشعب حق الحكم تفويضا لمن يستحق بانتخابات حرة ونزيهة وشفافة.
وحبذا لو توافقت على ذلك بما يعرف بـ(code of ethics) ليكون ميثاقاً مغلظاً تشهد عليه جماهير الشعب السوداني وتحكم على من يخالفه بأنه من الآثمين، وتكون للشعب آلياته التي تقصيه من الساحة كونه لميلتزم بقواعد اللعب النظيف.

6. تلافي مسببات العنف الطلابي:
نرى من الضرورة بمكان أن تتبنى الأحزاب برنامجا يرمي لخلق مناخ معافَ من العنف في الجامعات، ووسيلة ذلك هي الإرشاد والتوجيه والتدريب، والمردود المرتجي هو قيادات متصالحة تؤمن بالرأي الأخر وتتخذ من الحوار سبيلاً للإقناع بالحسنى .
وهنا يتداخل دور الأحزاب مع دور الدولة التي نرى أن عليها أن ترعى نشاطا راتباً يتنافس فيه الطلاب على مهارات الحوار والتفاوض من خلال مسابقة تلفزيونية على غرار ما يسمى بتلفزيون الواقع تجمع طلابا من أحزاب مختلفة لمناقشة قضية معينة بحضور جماهير من الطلاب( مثلما يحدث في أركان النقاش) ويكون للجمهور الحكم في نهاية المطاف تصويتا يُتوجُ أصاحب المنطق والفكر المقنع.
أما المعالجة الثانية فتكون عبر الرجوع لنظام التمثيل النسبي للطلاب بما يحقق الإنصهار ويبعد روح التنافس الحاد ويقلل من الاستقطاب، ولنا في تجارب الماضي مايعضد القناعة بنجاعة التجربة وقدرتها على خلق التراضي وتشكيل بيئة يسودها التعاون بين مكونات المنبر الطلابي.

7. تحجيم دور القبيلة:
تضخم القبلية وتمددها ربما كانت الأحزاب سبباً فيه حيث أن توزع الولاء في مناطق بعينها ظل سمة واضحة في ما يسمي بالأحزاب التقليدية أو الطائفية وهو عامل جعلها تؤسس عليه كثيرا من ممارساتها خاصة في تقديم القيادات وترفيعها.
ومع ضعف الآليات التقليدية كالإدارة الأهلية برزت روح الإنتهازية عند بعض النخب فركبت القبيلة قاربا تسلك به الدروب نحو تسنم المناصب العليا، وهو مركب تتلاطم على جوانبه الأمواج فتكاد تغرق سفينة البلاد في دوامة الحمية القبلية وعصبية الإنماء. وذلك تحدي يتطلب إعمال الحكمة وتغليب المصالح العليا للبلاد على الكسب الآني وأن عظٌم.
ومع إدراكنا لصعوبة الخروج من هذا المازق إلا أن ما نتوقع من وعي قيادات الأحزاب بخطورة القضية يحدونا للدعوة صراحة لأفتراع خطاب حزبي موحد تتوافق عليه كل القوى السياسية يٌصوب نحو توعية الجماهير بالخطر الداهم لاستقواء بعض الساسة بقبائلهم واستلهام العبر من الماضي القريب حين توحد كثير منأهل السودان خلف الدولة السنارية ذات القوام المتعدد وكذلك تجربة الدولة المهدية التي تأسست على ثوابت الدين فالتأم نسيج السودان في كنفها دون تمييز أو إقصاء.
ومثل هذا البرنامج يمكن أن ترعاه الدولة وتسهم فيه الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني ليكون مشروعا قوميا يسمي (أنا سوداني) يلتف حوله الجميع، ينتظم كل السودان وتٌكَون له آلية قومية تقوم على أمره وتحدد برامجه وترعى مناشطه.

8. فك إحتكار أصحاب للأحزاب:
ونعني به العمل على أن ترتخي قبضة أصحاب المال عن عنق الأحزاب فيفك إسارها وتمضي في طريق مؤسسات المجتمع المدني التي يساهم فيها كل عضو حسب استطاعته فيتعزز عنده الإنتماء للفكرة والبرنامج. واللافت أن أموال الأفراد وأموال الحزب في كثير من الأحيان تبدو كأنها ذمة مالية وأحدة وهو واقع مربك، فالمال يفرض منطقه ويجعل للممول تأثير على مجريات السياسة العامة للحزب ويصبغ قراراته بصبغة المصالح الضيقة لأصحاب النفوذ.
والأنكى من ذلك تنكب الحزب طرق الرشاد ما يوقعه في براثن الأعداء من الدول والمنظمات التي قد تغدق على الحزب المال لتُجِيَر مواقفه لمصالحها. ولا أخالنا نحتاج إلى شواهد على هذا القول وحسبنا أن نلفت إلى ضرورة السعي لدعم الأحزاب من خلال استنفار قواعدها وتأسيس قواعدلعمل استثماري يعصمها من تغول أرباب المال وغواية الدول المعادية .
ونحسب أن للدولة في هذا التوجه سهم، فعليها أن تُمكِنَ لمبادئ العدالة وأن تعمد لتسهيل وتيسير التمويل الحزبي ومنح الأحزاب تسهيلات تشبه ماهو معمول به بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني والمنظمات الطوعية، عسى أن يساعد ذلك في إقالة عثراتها وصونها من أن تكون مطايا لكل عدو يتربص بأمن الوطن.

9. ضوابط الأخلاق:
لا يظنن ظان أن الإلتزام الأخلاقي حِكرُ على الناس دون المؤسسات، فالمؤسسات عليها كذلك مراعاة الضوابط الأخلاقية في جميع شأنها، وهل من مؤسسة أهم وأجدر بمراعاة ضوابط الأخلاق في كل شأنها من الأحزاب.
وأخلق تلك الضوابط بالأحزاب ما يكون منها متصلاً بصلب الممارسة السياسية حيث يجدربالحزب الإمتناع عن التدليس والكذب وبث الفتنة وبذر أسباب الضغينة بين أفراد الشعب و تقويض النظام الدستوري بما يفقد البلاد أسباب استقرارها فيستحيل على شعبها العيش الكريم.

اصلاح النظام الحزبي (4)
ذاك ما كان من أمر إصلاح واقع الأحزاب ومؤسستها لتكون حصنا تروم ظله الجماهير، وتلك مطلوبات غاية في الأهمية ، بيد أن التوافق على أسس للشراكة تتجاوز المصالح الضيقة ويتسع أفقها ليستوعب غايات التعافي الوطني فتتطلب الآتي:
أ‌. الإتفاق حول ثوابت وطنية محددة تشمل ما يلي:
• التبادل السلمي للسلطة.
• الهوية المتنوعة للشعب السوداني.
• السلام.
• الحفاظ على أسس التماسك القومي.
• الحوار الوطني .
• قومية القوات المسلحة والأجهزة النظامية الأخرى.
• رعاية المصالح العليا للبلاد وعدم الإستقواء بالخارج .
ب‌. الامتناع عن مناصرة حاملي السلاح:
يرتبط هذا البند بما سيجري من توافق على الثوابت الوطنية إذ لا يستقيم أن تعلن الأحزاب عن تمسكها بالحوار ونبذ العنف وتؤكد إيمانها بالتداول السلمي للسلطة ثم توالي من يحمل السلاح.
ولا يمكن أن تتخذ من رغبتها في تغيير النظام مبررا لمناصرة المتمردين، لكن المنطق يقول أنها تسهم في تقديم رؤى ومقترحات لمعالجة جذور الأزمة بما يحقن دماء أهل السودان ويحقق السلام، وذاك مبحث أخر سنعالج فيه قضية الحوار وكيفيه انجاحه ليكون مدخلا لتجفيف منابع الخلاف بين أبناء الوطن الواحد.

خاتمة:
تلك الرؤى حاولت تقديم مقترحات مبنية على تشخيص الواقع وغايتها أن تحرك بركة كادت أن تآسن من تطاول عهدها بالحراك، ومن نافلة القول أن نجدد التأكيد على أن صلاح الممارسة السياسية رهين بإصلاح حال الأحزاب، التي متى وعت دورها كانمن اليسير عليها أن تقود منفردة ومتحدة، عملية تطوير المشهد السياسي وقيادة المبادرة الرامية لتعزيز فرص التراضي الوطني سعياً نحو تحقيق السلام والاستقرار على أساس الحوار الوطني الشامل.

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقا