أيها السودانيون..  أنتصروا لوطنكم..!

0

الخرطوم – 2022/02/07- بلادي بلص 

✍🏿 فتح العليم الشوبلي

 

في طريق الإياب إلى المنزل مساءً، يضج ذهني بالعديد من الأسئلة، طائفة منها الإجابة عليها يسيرة وطائفة أخرى مستعصية إلى درجة أنني لا أجرؤ على طرحها حتى.. لا أدرك لمَ لا تلتقط عينايَ سوى التفاصيل (المتداخلة)..عوالم الناس التي تتخضب بأصبغة جولات الصراع السياسي والمخمصة، حتى صارت الفاقة إلى الطمأنينة الاجتماعية التي تولدها حوامل الاقتصاد والسياسة معاً بلوى يومية، وبنصب لا يطاق، إذ تتداخل مشاهد لم تكن في الحسبان في تسير ركب الحياة العامة وتشكيل الوعي الجمعي بتسويق مباديء ومفاهيم جديدة تداني حدود الهذيان.

 

مشاهدٌ عديدة تحبس الأنفاس، قصص طويلة (لكنني لن أقول لكم كل شيء عنها لأن بعض التفاصيل لن تهمكم كثيراً كما قال الطيب صالح في موسم الهجرة إلى الشمال)، البؤس مرتسم على ملامح الكثيرين الذين ما بلغوا من الأيام سوى العوز والفقر، العداد الذي يقص حكاياتهم ويحصي أعمارهم لا ينفى وكأنهم يرددون مع الصنعاني:

كيف أخاف الفقر أو عيلة ..

أو أخشى النيران ذات الوقود..

وربي الرازق ذو رحمة واسعة..

وهو رحيم ودود..

 

تتيه عقولهم بين جغرافيا الوطن، وتنزف ساعاتهم في حلقات البحث عنه، تنحني قلوبهم ثقل الأحرف المفزعة من العشق له، يمرون على كل شبر فيه ودموعهم على خدودهم ضاحكة ، يملكون سكينة يقاومون بها قلقهم على الحاضر موقرون بحكمة يقومون بها اعوجاج طريق المستقبل، في زمن تبدلت فيه المواقف وإزدادت تعتيماً وغموضاً وزاد معه عبث اللا سوداني ، هذا العبث الذي لم يوجد الا لنحب الخطى، خطى السودانيين المنقسمة بين معارض لقرارات ٢٥ أكتوبر ومؤيد لها.

 

بعيداً عن الجدل الدائر الآن والبروباغندا التي صنعها -بغباء منقطع النظير- بعض النشطاء في الأسابيع المنصرفة، أرجو أن ينتبه الجميع لثلاثة أمور مهمة (لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال)، الأمر الأول أن لدى السودانيين مطلب معلوم، ومبتغى واحد، لا يمكن الحياد عنه مهما تكالفت التكاليف وهو الوصول لمرحلة تحول ديمقراطي حقيقي، ينتعش فيه مناخ الحرية والعدالة وسيادة القانون، وتستقيم  أمامه صناديق الاختراع كرافعة للأحزاب السياسية لحجز مقاعدها في البرلمان والحكومة، ولدى السودانيين، ما يلزم من عزيمة وشكيمة، ووعي وإدراك لتحقيق ذلك.

 

أما الأمر الثاني فهو أن السودان يقع ضمن دول “السيناريوهات المفتوحة”، لا نحتاج لمزيد من التدقيق بالأحداث لندرك ما آلت إليه الأوضاع في (دول الربيع العربي)، وخصوصاً ليبيا واليمن وسوريا التي ما زالت تشهد صراعاً عسكرياً متواصلاً ،صحيح أن السودان  كتب تاريخاً استثنائياً، وتجاوز العواصف بأقل ما يمكن من خسائر، لكن موجات القواصم التي ارتطمت بالعواصم ما تزال تهدر حوله، ومن الضروري أن يفكر السودانيين -كل السودانيين-جدياً بمخرج الطواريء المناسب للخروج من أزمته الراهنة، وأن يستحضروا التدبير والنُهى في إدارة الأزمة السياسية الراهنة، على المستوى الرسمي والشعبي على حد سواء.

 

يبقى الأمر الثالث، وهو أن الشعب السوداني سيتعرض في المرحلة القادمة لمعسكرين، مصدرهما النخب السياسية، أحدهما المعسكر (الواقعي) المحمل بكل ما يخطر للبال من حجج ومبررات وتفسيرات لتمرير حزمة من المبادرات لتسجيل أهداف عاجلة في سباق حلول الأزمة، والثاني المعسكر (الشعبوي) الذي سيركب قطار الرفض والتشكيك بالحلول التي ستطرحها أي جهة مهما كانت نجاعتها، وسيسير على الطريق المعاكس ويتحول إلى وقود لتغذية الأزمة التي استهدفتها تلك الحلول، مما يقود ذلك إلى استعصاءها وتعقيدها بمرور الوقت،  لذلك يحتاج الشعب السوداني لمعسكر ثالث يضبط إيقاع مزاجه العام، على خطاب آخر مقنع ومؤثر وشجاع، وأعتقد أن امتحان هذا المعسكر في معركة الرأي العام أهم من أي امتحان آخر، وبدون ذلك تبقى عملية الاستشفاء من الواقع السياسي البائس المنبسط لسنوات طويلة وكأنها إفراط متمرد على أي حل وكأنها حلقة متممة للوحل أكثر فأكثر في مستنقع الوباء الذي يحاصر الواقع السوداني في صورة قدر سرمدي لا نهائي لا منفذ ولا منقذ منه إلا الفشل، بل حتى محاولات الفشل هذه ستثبت فشلها.

لذلك تبقى الأجابة على الاسئلة المرتابة للتعاطي مع الواقع السوداني في حد ذاتها ارتياباً..  لماذا..؟ لدينا ثلاثة أسباب، الأول أن ثمة انقساماً، معلناً أحياناً ومخفياً أحياناً أخري، بين قيادات (الاحزاب السياسية) لا سيما المحسوب على الحرية والتغيير المجلس المركزي، حول حزمة القرارات التي من المفترض أن تتخذ ضد قرارات القائد العام للقوات المسلحة في ٢٥ أكتوبر هذه القرارات التي تعاملت معها الأحزاب على أنها إنقلاباً واضحاً، وخارج نطاق (حزبي وحزبك على العسكر) الأحزاب هذه لا تلقي اي إهتمام جدي بقضايا الراهن ويبدو واضحاً أن ليس ثمة وعي حقيقي بالأزمة وإفرازاتها التي ستدفع السودان في الاتجاه الكارثي، هذه الطريقة في التعاطي مع الأزمة سيفرز في المدى القريب(تمنعاً) لدى الشارع السوداني بعدم المشاركة في المظاهرات التي ستدعو لها الأحزاب عبر واجهاتها المعلومة سواء أن كان تجمع المهنيين السودانيين أو لجان المقاومة، مما يولد أسئلة  واستفهامات لدى الجميع، وحججاً للمتحفظين والعوام.

 

السبب الثاني أن المجلس السيادي تبدو مهمته في تشكيل حكومة كفاءات سهلة، ومقدور عليها، لكن الأهم هو تهيئة المجتمع السوداني وإقناعه بما سيتم، في ظل مزاج شعبي محبط وفاقد للثقة بكل شيء، لكنها ممكنة وضرورية، لأن ما يطرح من حلول للأزمة (سيتبخر) في الفضاء العام إذا لم تنجح الحكومة بتبريد المناخات السياسية، ودفع عجلة التعافي الاقتصادي، والأهم مصارحة السودانيين بالحقائق، وعدم التذاكي عليهم، والاستهانة بعقولهم.

 

السبب الثالث هو أن المرحلة القادمة ستشهد (مخاضات)حزبية، طبيعية وقيصرية، بعضها قائم يبحث عن الإئتلاف مع آخرين، وبعضها قادم يحاول أن يكون من (الوزن الثقيل)، لا بأس طبعاً، لكن ثمة مخاوف من تغلغل عاملين اثنين، أحدهما (رأس المال) غير معلوم مصدره، والآخر (الأجندات) غير المحلية (لكي لا نقول غير الوطنية)، ندرك أن لدينا جهاز مخابرات كفؤ يتعامل مع كل محاولة مشبوهة وفق تطوراتها وعواملها في إطار معرفة شبه كاملة، لكن الإحتراز واجب، لأن (مضمار) السياسة، بظروف السودان التي نعرفها، حثت وستحث البعض على ممارسة الركض، والهرولة، والدفع بالعديد العدائين البارعين في السعي بالوكالة.

 

ملاحظة أخيرة، كل ما أوردته سلفاً، بما فيه من استدعاءت وشواغل ومكاشفات، يقع تحت عنوان واحد، وهو (الفرصة الأخيرة)، أسف عن عدم الإفاضة بإيضاحها لأن ما أهدف إليه يدركه القارئ النبيه، وبالتالي يبقى لدي كمواطن سوداني مُبْتَغًى واحداً فقط، وهو أن ننتصر لوطننا، ونستحضر ذممنا من أجله طوال حياتنا، فالأوطان أرفع من الشخوص، وأنبل من المغانم، وأبقى من المراكز والمناصب.

You might also like
Leave a comment