أشرف إبراهيم يكتب: إنهيار سريلانكا.. فخ الديون.

0

الخرطوم _2022/07/19_ بلادي بلص

 

 

عاشت وتعيش دولة سريلانكا الآسيوية أزمة غير معهودة أدت إلى الانهيار التام لإقتصادها وفق ما أعلنه رئيس وزرائها رسمياً وماعايشه شعبها على أرض الواقع ورغم انها دولة تعتبر نسبيا من الإقتصاديات المتوازنة حيث تعتمد على السياحة والإستثمار فيها وبلغت نسبة نمو الاقتصاد حتى العام ٢٠١٧م وفق صندوق النقد الدولي ٥٪ إلا أنها فقدت كل ذلك في توقيت زمني لايتجاوز ثلاثة سنوات واحدة من الأسباب هي جائحة كورونا وتأثيراتها الباهظة على السياحة ولكن الأخطر والأسوأ كان هو ملف الديون الصينية الذي غرقت فيه الدولة الصغيرة ما افقدها القدرة على التعامل مع الخارج وانهيار اقتصادها حتى ثار شعبها واحتل القصر الرئاسي واضطر رئيسها للهرب ولاحقاً بعث بإستقالته عبر البريد الإلكتروني،  ومنأسباب الثورة في سيرلانكا كما ذكرنا الانهيار الاقتصادي الذي أثر على الحالة المعيشية للسكان، فمنذ انتشار جائحة كوفيد 19 في عام 2020، ترنح الاقتصاد السريلانكي تحت وطأة توقف الطيران الدولي وكساد القطاع السياحي، ونتيجة فساد الإدارة وعدم وجود مشاريع إنتاجية قلت احتياطيات النقد الأجنبي مما صعب استيراد السلع من الخارج،  وتضررت الاحتياجات الأساسية للمواطنين كالغذاء والدواء والوقود، فحتى الزراعة كانت تعتمد على الخارج في توفير الأسمدة وتخبطت الحكومة في إدارة هذا الملف بشدة، فقد قررت العام الماضي استيراد سماد عضوي من بكين ضمن خطة هدفها أن تصبح أول دولة في العالم تعتمد الزراعة العضوية بالكامل وفرضت حظراً على استيراد الأسمدة الكيماوية في مايو 2021، لكنها تراجعت عن قرارها في أكتوبر بعد احتجاجات المزارعين، مما أسهم في رفع أسعار المنتجات الغذائية، كما ثبت أن السماد العضوي المستورد من الصين غير صالح للاستخدام، فتم إلغاء الصفقة ودفعت كولومبو تعويضاً باهظاً بضغط من بكين رغم أزمتها الاقتصادية،  ووجدت الحكومة في سيرلانكا نفسها مطالبة بسداد أربعة مليارات ونصف المليار هذا العام من الديون الخارجية، بينما تكافح لتوفير الاحتياجات الأساسية بشق الأنفس، حتى إن بعض المواطنين اضطروا إلى الانتظار لمدة 12 ساعة في طوابير تبلغ عدة كيلومترات أمام محطات الوقود، وفي أبريل 2022، اندلعت احتجاجات تطالب بتغيير النظام، وأعلنت الحكومة عجزها عن سداد المديونيات، وأجبرت المظاهرات رئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا، شقيق الرئيس، على الاستقالة في مايو وعُين رانيل ويكريمسينغه بدلاً منه، وتعهد الأخير بتوفير 3 وجبات يومياً لكل مواطن، وتجنب سيناريو المجاعة المتوقع، وهو ما شكك به المعارضون، وأعلن البنك الدولي رفضه تمويل لسريلانكا مؤكداً أن البلد بحاجة إلى إجراء إصلاحات، ومن الاسباب كذلك الفساد السياسي وتمكين أسرة رجاباسكا منذ أن وصل الرئيس جوتابايا راجاباكسا إلى الحكم بعد نجاحه في انتخابات عام 2019 مدعوماً من تيار اليمين البوذي المتطرف والعسكريين، بينما كان منافسه يحظى بدعم الأقليات، واتسم عهد جوتابايا بالمحسوبية والفساد فقد عين أخاه ماهيندا في منصب رئيس الوزراء، وعين العام الماضي أخاه باسيل وزيراً للمالية، وتمتع عسكريون سابقون بمناصب مهمة رغم اتهامهم بارتكاب جرائم حرب خلال التصدي لتمرد التاميل الهندوس الذي انتهى عام 2009، حينما كان جوتابايا وزيراً للدفاع في حكومة أخيه ماهيندا،  ليأتي فخ الديون الصينية ويقضي على اقتصاد الدولة بالكامل حيث تعد الأزمة الحالية نتاج تراكمات من الفساد خلال سنين خلت، فقد اقترضت كولومبو مبالغ طائلة من بكين وبددتها في مشروعات ليس لها فائدة ، مثل تشييد ميناء هامبانتوتا الضخم من دون وجود حاجة حقيقة إليه، وإقامة مركز للمؤتمرات بتكلفة تزيد على خمسة عشر مليون دولار، ولم يستخدم إلا مرات نادرة، وعن طريق الديون أيضاً تم بناء مطار يحمل اسم عائلة راجاباكسا، ثبت عدم جدواه اقتصادياً بعد افتتاحه، والأزمة تعد مثالاً على خطورة الاعتماد على القروض الصينية، فالإسراف في تلقي القروض جعل الاقتصاد السريلانكي في حالة متردية، وتستغل بكين هذه الحالة للاستيلاء على أصول الدول لسداد الدين المتأخر، على غرار ما حدث في ديسمبر 2017، حين أخذت بكين ميناء هامبانتوتا بعقد يتيح لها الانتفاع به لمدة 99 عاماً، بعد عجز كولومبو عن سداد القروض الصينية، ويقول المؤرخ والباحث الأمريكي، جوردون جي تشانج، متهماً بكين بإغراق الدول بالقروض، وزعزعة استقرار الأنظمة الديمقراطية، والهيمنة على الدول عن طريق دعم الحكام الدكتاتوريين في أوقات الأزمات، واستنزاف بلادهم، معتبراً أن سريلانكا لا تعدو أن تكون الحلقة الأولى في سلسلة أزمات عالمية وشيكة، وأحجم الغرب عن دعم سريلانكا لأنها حليفة للصين، كما أحجمت الصين نفسها عن دعمها ورفضت إعادة جدولة القروض، وهذا يؤكد ما ظللنا نحذر منه مراراً ونشير إليه بالكتابة عن تأثيرات فخ الديون الصينية على الدول والهيمنة التي تسيطر من خلالها الشركات الصينية على الدول وأفريقيا أكثر الدول التي ستتأثر مستقبلاً وحدثت مؤشرات ذكرناها من قبل من خلال هذه الزاوية.

You might also like
Leave a comment