الفاتح داؤد يكتب: قبل انهيار النموزج…إثيوبيا ملامح تسوية علي رمال متحركة .

0

الخرطوم _2022/07/15_بلادي بلص

 

 

بعد حرب أهلية طاحنة خلفت الآلاف من القتلي والجرحي واللاجئين ،فضلا عن التدمير الممنهج للبني التحتية التقراي ،كشفت الحكومة الإثيوبية عن التوصل إلي جملة من التفاهمات مع قيادة جبهة تقراي ،قد تمهد الطريق إلى إجراء محادثات سلام في القريب العاجل، وبالتزامن مع ذلك عقدت اللجنة الوطنية للتفاوض التي تمثل الجانب الحكومي اجتماعها الأول بالعاصمة أديس أبابا وسط أجواء إيجابية رغم سخونة الملفات التي التي يجري الفرقاء الحوار حولها ،خاصة ملف العلاقات السياسية بين السلطة الاتحادية والاقاليم الفيدرالية،الذي ظلت تسيطر عليه الجبهة الشعبية علي مدي ثلاثة عقود ، لم يرتقي فيها التوتر رغم حالة المد والجزر الي المواجهة العسكرية بين اطراف الشراكة ، إلا أن أحداث صيف 2014م مثلت تحولا استراتجيا في منحي الأحداث ،جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية ،وتعثر عملية الانتقال الديمقراطي،
الذي لعبت فيه قومية تقراي دورا محوريا، رغم مساهمتها الكبيرة في الإطاحة بحكم “منقسنو”قيادة إثيوبيا من مرحلة الاضطرابات والازمات، إلى افاق النهضة والتنمية ،وقد شهدت إثيوبيا في عهد تقراي تحولات سياسية مهمة،كان أبرزها تعديل دستور “1994م” الذي عبد الطريق امام تشكيل إثيوبيا الحديثة ،بالانتقال من دولة ذات سلطة مركزية قائمة علي وحدة الدين واللغة والثقافة،إلى فيدرالية متعددة اللغات والهويات ، كما قضي التعديل بتقسيم إثيوبيا إلى (9) اقاليم ذات طبيعة اثنية و تتمتع بكامل السلطات ،بما في ذلك الحق في تقرير المصير،ولعل المشرعون ارداو من ذلك استيعاب المظالم التاريخية، للقوميات والشعوب المكونة لاثيوبيا
ولكن رغم الصورة الذهنية المدهشة التي تكونت عن الحالة الإثيوبية في الخيال السياسي،ورغم حرص الغرب علي الإستثمار في إثيوبيا، بوصفها اهم النمازج الأفريقية الملهمة،حيث فتحت أمامها أبواب صناديق التمويل الدولية للإستثمار في البنية التحتية ، وتقديم برامج الدعم اللوجستي، في مجال بناء القدرات والتنمية البشرية ،التي حولت إثيوبيا في وقت وجيز ، إلى أهم مراكز الثقل السياسي والدبلوماسي والاقتصادي إفريقيا ، وقد نجحت إثيوبيا في استثمار هذا الدعم في تحقيق قفزات تنموية هائلة ، خاصة في عهد مليس زيناوي ،الذي شكل رحيله المفاجئ ضربة قاصمة، أعادت خلط الأوراق السياسية،واشعل بوادر الصراع حول الزعامة السياسية داخل الجبهة الشعبية ، و الذي فجر لاحقا النزعات الإثنية ولعل من أبرز مهددات اثيوبيا مابعد زيناوي، كانت تكمن في الصراع حول السلطة ،و تنامي خطاب الكراهية والاستقطاب الاثني، نتيجة تعقيدات الحكم الفيدرالي الذي أخذ طابعا عرقيا حادا،و أصبح يمثل تهديدا وجوديا لكيان الدولة، وقد تطورت تلك النزعات لاحقا إلى مواجهات دامية بين السلطة الفيدرالية، وعدد من القوميات التي تحفظت علي تعاطي الحكومة الفيدرالية، مع الملفات التي تخص الأقاليمهم ، فضلا عن تراجع نخبة اديس اباباعن تعهداتها السياسية ، وقد وصلت الاحتجاجات ذروتها في عهد” ديسالين” الذي شهد اعمال عنف متفرقة اسفرت عن مقتل العشرات ،اجبرت تطوراتها حكومة ديسالين الي الاستقالة في العام 2014م ،التي أفسحت تلك الاحداث المجال امام صعود نجم الشاب ٱبي احمد المسنود من التيار الإصلاحي من داخل وخارج الجبهة رغم منافسة الصقور ،وقد مهد الدعم الطريق أمام احمد لإجراء إصلاحات سياسية شاملة، نقل ت البلاد الي مرحلة التعددية لبناء الديمقراطية، إلا أن تلك الخطوات قد فجرت الخصومة السياسية، بين رئيس الوزراء الشاب، وقادة تقراي التي كانت تقود التحالف الحاكم للجبهة الديمقراطية الثوربة، بسبب شروع احمد في أجراء اصلاحات تنظيمية وهيكلية في مفاصل الجبهة بصورة منفردة،قضت بحل ودمج أحزاب التحالف الحاكم في حزبه الجديد (الاذدهار)، حتي يتمكن من إدارة التناقضات غير المتناهية في بلد المائة مليون ،وفق “سياسية وسطية جديدة” تستوعب بناء هوية وطنية جامعة ،تقوم علي التعددية مع الحفاظ علي المكتسبات الجهوية للاأقاليم ، وقد قدم الحزب الجديد نفسه بوصفه البديل الوحيد لاستقطاب المحاور ، إنه يشكل فضاء فكريا عازلا وضابطا سياسيا مرنا للصراع بين القوميين الفيدراليين والوحدويين المركزيين، فيما رأت تقراي خطوة ميلاد الحزب الجديد محاولة ماكرة،تهدف إلى وراثة الائتلاف الحاكم، والإستيلاء علي أمواله وممتلكاته، وقد نقل الاعتراض الصراع ، من الاطار القانوني الي المواجهة السياسية المفتوحة ، ولم يكتفي أبي أحمد بذلك ،بل سعي إلى إعادة صياغة الخارطة السياسية، وتحجيم نفوذ التقراي في السلطة ،حيث منح الاقاليم حق المشاركة في السلطة الفدرالية ،وقد رأت جبهة تغري في الخطوة خصما عليها، وأعلنت انسحابها من التحالف الجديد ، واكتفت بحكم إقليم تقراي، وفقا لرؤيتها الخاصة، ولكن مع تسارع وتيرة الأحداث ،ودخول عدد من النخب السياسية علي خط الأزمة ، دعت حكومة أبي أحمد المجلس الفيدرالي، إلى تمديد أجل الحكومة، وتاجيل الانتخابات ،قبل موعد إنتهاء ولاية أبي أحمد، وقد اتهمت المعارضة الحكومة باستخدام اغلبيتها،في تمديد صلاحيتها وسلطاتها، حتي تتمكن من الاستعداد للانتخابات ، إلا أن الحكومة تذرعت بالظروف الصحية، والاقتصادية”جائحة كورونا” فضلا عن هاجس الامن للوصول إلي السلطة عبر بوابة الازمات،وتوعد أحمد حينها خصومه بإجراءات حاسمة للحفاظ علي استقرار البلاد،  وقد استنكرت قيادات سياسية ،خطاب أبي أحمد ورأت فيه نوع من أنواع العبث السياسي ،وطالبوا بضرورة احترام تعهداته السياسية والتزاماته الدستورية ،فيما دعا آخرون ،إلى ضرورة التوافق علي ميثاق سياسي جديد، للخروج من المازق السياسي، بينما تمسكت جبهة تغراي بقيام الاستحقاق الانتخابي، وحجتها أن تمديد ولاية الحكومة ،وتاجيل الانتخابات من صميم اختصاص مجلس الانتخابات ،الذي يمثل الهيئة المستقلة،وفي منحي تصعيدي اعلنت جبهة تقراي بصورة منفردة ،أجراء انتخابات للاقليم ،وهي الخطوة التي رات فيها الحكومة الفيدرالية، خروجا علي المؤسسية والدستور، وتهديدا للأمن القومي ،وتوعدت بإجراء ت عقابية ضد الاقليم الذي قالت انه لم يحترم الدستور، وقد عجلت العملية التي نفذتها مليشيات موالية لجبهة التقراي علي معسكر للجيش الفيدرالي، بالمواجهة الحتمية بين الطرفين ،التي دفعت الجيش، إلى إرسال تعزيزات عسكرية إلى إقليم تقراي، لإجراء عمليات عسكرية محدودة ،الا أن اتساع رقعة المواجهات أدى نزوح اللالاف إلى العمق السوداني،والي دخول اطراف إقليمية ودولية الي عميقت من الصراع ،الذي تجاوزت ارتدادته الداخل الاثيوبي ، إلى التاثير على المنطقة برمتها؛ كما اادي إلي سقوط نموزج إدارة التنوع الإثيوبي، وساهم في بعث النزعات الانفصالية الداخلية التي قد تزعزع هي الاخري أمن القرن الأفريقي، ولايستبعد أن نرى امتداداتها في السودان الذي يعاني هو الآخر، من هشاشة أمنية وأزمة انتقال سياسي هش قابل للانفجار .

You might also like
Leave a comment